مقدمـــة
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الرسل والأنبياء محمد المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعد ..
الاُسرة هي اللبنة الاُولى لتكوين المجتمع ، وهي نقطة الانطلاق في انشاء وتنشئة العنصر الإنساني ،
الاُسرة هي اللبنة الاُولى لتكوين المجتمع ، وهي نقطة الانطلاق في انشاء وتنشئة العنصر الإنساني ،
ونقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع ومراحل سيره الايجابية والسلبية ، ولهذا أبدى الإسلام عناية خاصة بالاُسرة ، فوضع لها آداباً وفقهاً متكاملاً شاملاً لجميع جوانبها النفسية والسلوكية .
وآداب الاُسرة ، أو قل فقه الاُسرة لم ينشأ من فراغ ولا يبحث في فراغ ، وإنّما هو فقه واقعي ، يراعي الطبيعة البشرية بما فيها الفوارق الجسدية والنفسية بين الجنسين ، ويراعي الحاجات الفطرية ، فلا يبدلها ولا يعطلها ولا يحمّلها ما لا تطيق ، وهو يتمثل بالدقة في تناول كل خالجة نفسية وكل موقف وكل حركة سلوكية ، ويجعل العلاقات في داخل الاُسرة علاقات سكنٍ للروح وطمأنينةٍ للقلب وراحةٍ للجسد ، علاقات ستر واحصان ، ويهذب النفس للحيلولة دون استسلامها للاهواء والشهوات المتقلبة ،
ويحررها من نزعات المطامع والرغبات الزائلة .
إنّها الآداب المستمدة من النصوص القرآنية والحديث الشريف ، والتي تواكب جميع المراحل التي تمرُّ بها الاُسرة قبل تشكيلها وبعده ، فتضع لكلِّ مرحلة قواعدها الكلية والجزئية الشاملة لجوانب النفس وجوانب الحوادث والمواقف ، فتحدد العلاقات بين الجنسين قبل الزواج وبعده ، وقبل توسع الاُسرة بالانجاب وبعده ، وتحدّد العلاقات داخل الاُسرة على ضوء المرسوم من الحقوق والواجبات القائمة على التكافل والتراحم والتناصح والسماحة والمودة والاحسان ، وترسم للاُسرة طريقها في التعامل الاجتماعي ، من أجل التكاتف والتآزر في بناء واصلاح كيانها والكيان الاجتماعي الكبير .
وبالتالي فهي ترفد الاُسرة بمنهج حياة واقعي يتتبع أهميتها وخصوصياتها وآمالها وآلامها وعلاقاتها ، واضعةً الحلول اللازمة ، وقايةً وعلاجاً . للخلافات المتأصلة أو الطارئة .
معنى الأسرة
الاُسرة لغةً :
أُسرة الرجل : عشيرته ورهطه الأدنون ؛ لأنّه يتقوى بهم .
والاُسرة : عشيرة الرجل وأهل بيته .
والاُسرة : أهل الرجل وعشيرته ، والجماعة يربطها أمر مشترك.
والاُسرة : أهل بيت الإنسان وعشيرته ، وأصل الاُسرة الدرع الحصينة ، وأطلقت على أهل بيت الرجل ؛ لأنّه يتقوى بهم.
الاُسرة اصطلاحاً :
هي رابطة الزواج التي تصحبها ذُرّية.
وهي : رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما ، وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب
على أن يكونوا في معيشة واحدة .
والأسرة هي النواة الأولى في تكوين المجتمع والأمة، ومنها بدأ الله الخليقة منذ الأزل..
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) [النساء:1].
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) [النساء:1].
والأسرة تقوم على دعامتين هامتين هما أساس تكوينها، الرجل والمرأة؛ أي الزوج والزوجة، فهما الأساس في تكوين الأسرة وإنجاب الذرية، وتناسل البشرية التي تتكون منها الأمة والمجتمع.
ولقد عنى الإسلام عناية فائقة في تكوين الأسرة التي هي الأساس في المجتمعات البشرية على شتى أصنافها، فوضع تشريعاً محكماً للعلاقات الزوجية، ورسم حدوداً واضحة لكل واحد منهما بما له وما عليه، ووضع منهج التربية للذرية وقسّم الأدوار بين الزوجين ليقوم كل واحد منهما بدوره الكامل في بناء الأسرة، والمساهمة في بناء المجتمع الإنساني على امتداده.
لقد أرسى الإسلام قواعد الأسرة الإسلامية على مبدأ المودة والرحمة، وبيّن في ذلك حدود العلاقة بين الذكر والأنثى، وجعل الرجال قوامين على النساء بما أعطى كل واحد منهما من الإمكانات والقدرات، ووضع لذلك قاعدة محكمة تحكم تصرف كل واحد منهما في حدود مسؤوليته، وأمر كلاًّ من الجنسين بأن يُحسن كل واحد منهما اختيار صاحبه، وحذّر من التفريط في حقوق الذرية التي تنتج عن هذه العلاقة بين الطرفين فقال:
( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) [ التحريم:6].
( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) [ التحريم:6].
واستطاع الإسلام بتعاليمه السامية أن يُوجِد الأسرة الفاضلة التي يسودها الحبُّ والاستقرارُ والطمأنينةُ، وينتج عن هذه الأسرة جيل مؤمن، وأمَّة واعية هي خير أمة أخرجت للناس، ولم تكن تعاليم الإسلام في بناء الأسرة الإسلامية قائمة على المثالية الخيالية؛ ولكنها كانت تتسم بالواقعية التي تتلاءم وطبيعة النفس البشرية؛ فقد أعطى الإسلام السيادة للرجل ليضطلع بالمهمة الصعبة لقدرته على التحمل ومقارعة الخطوب، ومواجهة أحداث الحياة، ورسم لكل من الذكر والأنثى حقوقاً على الآخر، ولا ينبغي لأحد أن يتخطاها أو يهمل جانباً منها؛ لأن في إهمال أي منهما لحقوق الآخر في جانب من الجوانب كفيل بأن يحدث تصدعاً في كيان الأسرة أو انهيارها.
ويوم كانت أمتنا الإسلامية تقود ركب الإنسانية نحو التقدم والخير، وتحمل مشعل الهداية إلى أمم الأرض وشعوبها، كانت تنعم في داخل بيوتها بما لا يعرف له البشر مثيلاً من استقرار الحياة الزوجية وشمول الطمأنينة والحب والتعاون لجميع أفرادها، وما ذلك إلا لأن الإسلام وضع لكل من الزوج والزوجة والآباء والأبناء حقوقاً واضحة لا يتميز فيها حق كل فئة على الأخرى، وهي حقوق متكافئة منسجمة تؤدي إلى ملء القلوب بالحب، وملء البيوت بالنعيم، وملء المجتمع بالنسل الصالح الذي يبني ولا يهدم ويسمو ولا ينحدر.
لقد كان وضع الأسرة الإسلامية في الماضي يقوم على مبدأ أن لله حقوقاً مصانة ومهامَّ مرسومة، ومنهجاً موحداً وهدفاً واحداً، غايته وجه الله، وهدفه تحقيق خلافة الله للإنسان في الأرض. أسرة الإسلام في الماضي كانت تعيش في جو قوله تعالى :
( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا، وبذي القربى واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً) [النساء:36].
وفي هذا الجو الرباني كانت الأسرة الربانية تعيش فيما بينها وبين البشر الذين تتعايش معهم، وأصبح المجتمع الإسلامي كأسرة واحدة متماسكة مترابطة،
وتصور معي هذا الجو:
زوجان تقوم العلاقة بينهما على المودة والرحمة والحقوق المصانة والفكر المشترك.
ذرية تقوم بمهام الوحدانية والبر بالوالدين اللذين هما أساس الذرية.
أرحام تتواصل على هذا المبدأ من البر والالتزام.
أيتام يعيشون في كنف الأمة المؤمنة لا يحسون مرارة اليتم وتبعة الحياة.
جيران متواصلون متراحمون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.
صحبة تعرف حقوق الله ولو لساعة يتعارف الناس فيما بينهم.
وغريب لا يحس بمرارة الغربة؛ لأنه يعيش في كنف الرحمة والبر الذي يسود الجميع.
تصور هذا المجتمع، وهذه الأسرة تقوم على مبدأ الله في الحقوق والواجبات؛ فهل تجد في هذا التصور مجتمعاً فاضلاً وأسرة كريمة كهذا المجتمع وهذه الأسرة التي أوجدهما الإسلام؟
هذه هي الملامح الرئيسة في بناء الأسرة والمجتمع في الإسلام، وهذه هي الأسرة الإسلامية في الماضي الذي كانت تحكمه شريعة الغاب: مودة ورحمة بين الزوجين، تقوى الله في الذرية والأرحام، وبر باليتيم والجار والسائل والمسكين وملك اليمين..
ولكن! ما هي الأسرة اليوم:
إن من قُدَّر له أن يحيط بوضع الأسرة في مجتمعنا اليوم، وما يعانيه من مشكلات نفسيّة وخلقيّة واجتماعيّة، ويقف على ما يُقدّم إلى محاكمنا الشرعية والمذهبية والمليئة بدعاوى الخصومات الزوجية- أيقن أننا في أشد الحاجة إلى إصلاح اجتماعي يهتم قبل كل شيء بوضع العائلة، والعلاقات بين أفرادها. فاضطراب الحياة الزوجية عامل كبير من عوامل اضطراب الأوضاع السياسية والاجتماعية العامة، وهذه المشكلة ليست قاصرة على مجتمعنا فحسب؛ بل في مجتمعات الشعوب كلها.
وهذه المشكلة أول ما نشأت عن الغموض والفوضى في الحقوق والواجبات بين طرفي الأسرة: (الزوج والزوجة)، فلو استقام الأمر بينهما على حب روحي كريم وعلى حق واضح صريح يطبّقه كل واحد منهما؛ لارتفع المستوى الاجتماعي، وعمّ الاستقرار في الأُمّة بأسرها، وفي جميع مجالات الحياة.
إن أغلب أسرنا اليوم.. لا تقوم منهج إلهيّ كريم، ولا على مبدأ المودة والرحمة؛ بل ولا يقوم رب الأسرة ولا ربة الأسرة باضطلاع مهام الحياة الفكرية الكريمة للجيل في الأسرة الذي هو أساس المجتمع والأمة.
لقد ترك كل واحد من الزوج والزوجة دوره المرسوم له في تكوين الأسرة الفاضلة، واشترك كل واحد منهما على مبدأ واحدٍ هو تحقيق الثراء، وتكوين الثروة المادية والحياة المترفة للذرية التي كانا سبباً في إنجابها، وتركت الذرية لدور الحضانة، أو الخادمات في البيوت أو الخدم من الرجال، يعبثون في تربيتها على النمط الذي يشاؤون. وغالباً ما يكون الخادم أو المربية أغراب عن الأسرة في العقيدة، والفكر، ونمط الحياة وطريقة التفكير ومنهج السلوك، فنتج عن ذلك أسر مهزوزة الصورة، وأجيال تملأ قلوبها العقد النفسية والتمزق الخلقي.
والأسر التي ليس فها الخدم والخادمات ليست أحسن حالاً من غيرها، حيث إن الأسرة أبعد ما تكون عن منهج الله في التصور والسلوك؛ فالأم مشغولة بنفسها بعيدة عن منهج ربها، والرجل له سبح طويل في النهار والليل، ولا يجد فيها الساعة التي يرعى فيها شؤون الأسرة الخاصة.
ونحن إذا أردنا أن نخرج من أزمتنا السياسية والفكرية، ومن عقدنا النفسية، ومن تفكك الأمة؛ فعلينا أن نراجع وضع الأمة من أساسه.. من الأسرة أولاً؟
إن أسرنا في الغالب لا تقوم فيها العلاقة الزوجية الكريمة التي يحكمها شرع الله ومنهج رسوله، وخرج كثير من الأزواج والزوجات عن مبدأ المودة والرحمة في هذه العلاقة، وأصبحت النظرة المادية هي التي تسود فكر الأسرة وغايتها في الحياة؛ فهل لنا أن نراجع موضوع الأسرة من جديد، ويقوم المصلحون والمفكرون في معالجة موضوع الأسرة، التي وصلت إلى حافة التردي؟! إن على الحكومات وأرباب الأقلام وأصحاب الفكر والعقيدة الإسلامية أن يصلحوا وضع أسرتنا من جديد وعلى منهج الله وهدي رسوله اللذين هما الأساس في سعادة الأسر والمجتمعات بأسرها.
أن سنة الله عز وجل في الخلق اقتضت أن يكون قائماً على الزوجية، فخلق الله سبحانه وتعالى من كل شيء زوجين قال تعالى: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون الذاريات:٤٩.
كما أودع عز وجل ميلاً فطريّاً بين زوجي كل جنس، فكل ذكر يميل إلى أنثاه، والعكس، وذلك لتكاثر المخلوقات واستمرار الحياة، وجعل ميل الرجل إلى الأنثى والأنثى إلى الرجل مختلفاً عن باقي الكائنات الحية، فالميل عند الإنسان غير مقيد بوقت ولا ينتهي عند حدّ الوظيفة الجنسية، وذلك لاختلاف طبيعة الإنسان عن طبيعة الحيوان، فالصلة القلبية والتعلق الروحي عند الإنسان مستمر مدى الحياة.
ولما كان الإنسان مكرماً مفضلاً عند الخالق عز وجل على كثير ممن خلق، فقد جعل تحقيق هذا الميل عن طريق الزواج الشرعي فقط، ولهذا خلق الله آدم عليه السلام وخلق منه حواء قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ الأعراف:١٨٩ وهكذا كانت أول أسرة في تاريخ البشري.
فالأسرة هي الخلية الأولى في جسم المجتمع، وهي المجتمع الصغير، لأن المجتمع الكبير مكون من مجموع أُسر، وعناصر الأسرة هي الزوجان والأولاد، وليس المجتمع في نظر الإسلام أفراد متناثرين لا تربطهم روابط، بل هي جملة من المجموعات تؤلف كل منها رابطة النسب، ثم تجمع بينها كلها رابطة الروح بالأخوة الدينية.
ونظراً لأهمية الأسرة عرف الإسلام لها قدرها، وقرر لها مكانة عظيمة تتجلى في الاهتمام بشؤونها في كتاب الله، كما أحاط الإسلام بجملة كثيرة من التشريعات لتؤدي وظيفتها على الوجه الأكمل.
وتبرز أهمية الأسرة ومكانتها من خلال الآتي :
1. تحقيق النمو الجسدي والعاطفي، وذلك بإشباع النزعات الفطرية والميول الغريزية، وتلبية المطالب النفسية والروحية والجسدية باعتدال.
2. تحقيق السكن النفسي والطمأنينة قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون الروم:٢١.
3. الأسرة هي الطريق الوحيد لإنجاب الأولاد الشرعيين وتربيتهم وتحقيق العاطفة وحفظ الأنساب.
4.تعد الأسرة مؤسسة للتدريب على تحمل المسؤوليات وإبراز الطاقات، وإثبات كل من الزوجين لتحقيق سعادة الأسرة.
5.تُعدّ الأسرة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع.
أهمية الأم في الأسرة :
تحتل الأم مكانة مهمة وأساسية في التربية، ويبدو ذلك من خلال الأمور الآتية:
الأمر الأول: أثر الأسرة في التربية:
فالأسرة أولاً هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي التي تغرس لدى الطفل المعايير التي يحكم من خلالها على ما يتلقاه فيما بعد من سائر المؤسسات في المجتمع، فهو حينما يغدو إلى المدرسة ينظر إلى أستاذه نظرةً من خلال ما تلقاه في البيت من تربية، وهو يختار زملاءه في المدرسة من خلال ما نشأته عليه أسرته، ويقيِّم ما يسمع وما يرى من مواقف تقابله في الحياة، من خلال ما غرسته لديه الأسرة، وهنا يكمن دور الأسرة وأهميتها وخطرها في الميدان التربوي.
الأمر الثاني: الطفل يتأثر بحالة أمه وهي حامل:
تنفرد الأم بمرحلة لا يشركها فيها غيرها وهي مرحلة مهمة ولها دور في التربية قد نغفل عنه ألا وهي مرحلة الحمل؛ فإن الجنين وهو في بطن أمه يتأثر بمؤثرات كثيرة تعود إلى الأم، ومنها:
التغذية فالجنين على سبيل المثال يتأثر بالتغذية ونوع الغذاء الذي تتلقاه الأم، وهو يتأثر بالأمراض التي قد تصيب أمه أثناء الحمل، ويتأثر أيضاً حين تكون أمه تتعاطى المخدرات، وربما أصبح مدمناً عند خروجه من بطن أمه حين تكون أمه مدمنة للمخدرات، ومن ذلك التدخين، فحين تكون المرأة مدخنة فإن ذلك يترك أثراً على جنينها، ولهذا فهم في تلك المجتمعات يوصون المرأة المدخنة أن تمتنع عن التدخين أثناء فترة الحمل أو أن تقلل منه؛ نظراً لتأثيره على جنينها، ومن العوامل المؤثرة أيضاً: العقاقير الطبية التي تناولها المرأة الحامل، ولهذا يسأل الطبيب المرأة كثيراً حين يصف لها بعض الأدوية عن كونها حامل أو ليست كذلك .
وصورةً أخرى من الأمور المؤثرة وقد لا تتصوره الأمهات والآباء هذه القضية، وهي حالة الأم الانفعالية أثناء الحمل، فقد يخرج الطفل وهو كثير الصراخ في أوائل طفولته، وقد يخرج الطفل وهو يتخوف كثيراً، وذلك كله بسبب مؤثرات تلقاها من حالة أمه الانفعالية التي
كانت تعيشها وهي في حال الحمل، وحين تزيد الانفعالات الحادة عند المرأة وتكرر فإن هذا يؤثر في الهرمونات التي تفرزها الأم وتنتقل إلى الجنين، وإذا طالت هذه الحالة فإنها لا بد أن تؤثر على نفسيته وانفعالاته وعلى صحته، ولهذا ينبغي أن يحرص الزوج على أن يهيئ لها
جواً ومناخاً مناسباً، وأن تحرص هي على أن تتجنب الحالات التي تؤدي بها حدة الانفعال .
أمر آخر أيضاً له دور وتأثير على الجنين وهو اتجاه الأم نحو حملها أو نظرتها نحو حملها فهي حين تكون مسرورة مستبشرة بهذا الحمل لا بد أن يتأثر الحمل بذلك، وحين تكون غير راضية عن هذا الحمل فإن هذا سيؤثر على هذا الجنين، ومن هنا وجه الشرع الناس إلى تصحيح النظر حول الولد الذكر والأنثى، قال سبحانه وتعالى :(ولله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير).
فهو سبحانه وتعالى له ما يشاء وله الحكم سبحانه وتعالى؛ فيقرر للناس أنه عز وجل صاحب الحكم والأمر، وما يختار الله سبحانه وتعالى أمراً إلا لحكمة، لذا فالزوجة والزوج جميعاً ينبغي
أن يرضوا بما قسم الله، ويعلموا أن ما قسم الله عز وجل خير لهم، سواءً كان ذكراً أو أنثى، وحين تفقد المرأة هذا الشعور، فيكشف لها التقرير الطبي أن الجنين الذي في بطنها أنثى،
فتبدأ تغير نظرتها ومشاعرها نحو هذا الحمل أو العكس فإن هذا لا بد أن يؤثر على الحمل، ونحن هنا لسنا في عيادة طبية حتى نوجه المرأة الحامل أو نتحدث عن هذه الآثار التي يمكن
أن تخلقها حالة الأم على الحمل، إنما المقصود من هذا كله أن دور المرأة يبدأ من حين حملها وأنها تعيش مرحلة تؤثر على مستقبل هذا المولود لا يشاركها غيرها.
الأمر الثالث: دور الأم مع الطفل في الطفولة المبكرة:
الطفولة المبكرة مرحلة مهمة لتنشئة الطفل، ودور الأم فيها أكبر من غيرها، فهي في مرحلة الرضاعة أكثر من يتعامل مع الطفل، ولحكمة عظيمة يريدها الله سبحانه وتعالى يكون طعام
الرضيع في هذه المرحلة من ثدي أمه وليس الأمر فقط تأثيراً طبيًّا أو صحيًّا، وإنما لها آثار نفسية أهمها إشعار الطفل بالحنان والقرب الذي يحتاج إليه، ولهذا يوصي الأطباء الأم أن تحرص على إرضاع الطفل، وأن تحرص على أن تعتني به وتقترب منه لو لم ترضعه.
وهنا ندرك فداحة الخطر الذي ترتكبه كثير من النساء حين تترك طفلها في هذه المرحلة للمربية والخادمة؛ فهي التي تقوم بتنظيفه وتهيئة اللباس له وإعداد طعامه، وحين يستعمل الرضاعة الصناعية فهي التي تهيئها له، وهذا يفقد الطفل قدراً من الرعاية النفسية هو بأمس الحاجة إليه.
وإذا ابتليت الأم بالخادمة -والأصل الاستغناء عنها- فينبغي أن تحرص في المراحل الأولية على أن تباشر هي رعاية الطفل، وتترك للخادمة إعداد الطعام في المنزل أو تنظيفه أو غير ذلك من الأعمال، فلن يجد الطفل الحنان والرعاية من الخادمة كما يجدها من الأم، وهذا له دور كبير في نفسية الطفل واتجاهاته في المستقبل، وبخاصة أن كثيراً من الخادمات والمربيات في
العالم الإسلامي لسن من المسلمات، وحتى المسلمات غالبهن من غير المتدينات، وهذا لا يخفى أثره، والحديث عن هذا الجانب يطول، ولعلي أن أكتفي بهذه الإشارة.
فالمقصود أن الأم كما قلنا تتعامل مع هذه المرحلة مع الطفل أكثر مما يتعامل معه الأب، وفي هذه المرحلة سوف يكتسب العديد من العادات والمعايير، ويكتسب الخلق والسلوك الذي
يصعب تغييره في المستقبل، وهنا تكمن خطورة دور الأم فهي البوابة على هذه المرحلة الخطرة من حياة الطفل فيما بعد، حتى أن بعض الناس يكون مستقيماً صالحاً متديناً لكنه لم ينشأ من الصغر على المعايير المنضبطة في السلوك والأخلاق، فتجد منه نوعاً من سوء الخلق وعدم الانضباط السلوكي، والسبب أنه لم يترب على ذلك من صغره.
الأمر الرابع : دور الأم مع البنات:
لئن كانت الأم أكثر التصاقاً بالأولاد عموماً في الطفولة المبكرة، فهذا القرب يزداد ويبقى مع البنات. ولعل من أسباب ما نعانيه اليوم من مشكلات لدى الفتيات يعود إلى تخلف دور الأم التربوي، فالفتاة تعيش مرحلة المراهقة والفتن والشهوات والمجتمع من حولها يدعوها إلى الفساد وتشعر بفراغ عاطفي لديها، وقد لا يشبع هذا الفراغ إلا في الأجواء المنحرفة، أما أمها فهي مشغولة عنها بشؤونها الخاصة، وبالجلوس مع جاراتها وزميلاتها، فالفتاة في عالم والأم في عالم آخر.
إنه من المهم أن تعيش الأم مع بناتها وتكون قريبة منهن؛ ذلك أن الفتاة تجرؤ أن تصارح الأم أكثر من أن تصارح الأب، وأن تقترب منها وتملأ الفراغ العاطفي لديها. ويزداد هذا الفراغ الذي تعاني منه الفتاة في البيت الذي فيه خادمة، فهي تحمل عنها أعباء المنزل، والأسرة ترى تفريغ هذه البنت للدراسة لأنها مشغولة في الدراسة، وحين تنهي أعباءها الدراسية يتبقى عندها وقت فراغ، فبم تقضي هذا الفراغ: في القراءة؟ فنحن لم نغرس حب القراءة لدى أولادنا.
وبين الأم وبين الفتاة هوه سحيقة، تشعر الفتاة أن أمها لا توافقها في ثقافتها وتوجهاتها، ولا في تفكيرها، وتشعر بفجوة ثقافية وفجوة حضارية بينها وبين الأم؛ فتجد البنت ضالتها في
مجلة تتحدث عن الأزياء وعن تنظيم المنزل، وتتحدث عن الحب والغرام، وكيف تكسبين الآخرين فتثير عندها هذه العاطفة، وقد تجد ضالتها في أفلام الفيديو، أو قد تجد ضالتها من خلال الاتصال مع الشباب في الهاتف، أو إن عدمت هذا وذاك ففي المدرسة تتعلم من بعض زميلاتها مثل هذه السلوك.
الأمر الخامس: الأم تتطلع على التفاصيل الخاصة لأولادها:
تتعامل الأم مع ملابس الأولاد ومع الأثاث وترتيبه، ومع أحوال الطفل الخاصة فتكتشف مشكلات عند الطفل أكثر مما يكتشفه الأب، وبخاصة في وقتنا الذي انشغل الأب فيه عن أبنائه، فتدرك الأم من قضايا الأولاد أكثر مما يدركه الأب. هذه الأمور السابقة تؤكد لنا دور الأم في التربية وأهميته، ويكفي أن نعرف أن الأم تمثل نصف المنزل تماماً ولا يمكن أبداً أن يقوم بالدور التربوي الأب وحده، أو أن تقوم به المدرسة وحدها، فيجب أن تتضافر جهود الجميع في خط واحد. لكن الواقع أن الطفل يتربى على قيم في المدرسة يهدهما المنزل، ويتربى على قيم في المنزل مناقضة لما يلقاه في الشارع؛ فيعيش ازدواجية وتناقضا ، المقصود هو يجب أن
يكون البيت وحده متكاملة.
دور الأب فى الأسرة :
( الأب ) ليس مجرد وجود عضوي أو اقتصادي أو اجتماعي, إنه كل ذلك, والأهم هو دوره النفسي والروحي في تكوين الأبناء للحديث عن الآثار النفسية والاجتماعية التي يمكن أن يخلّفها غياب الأب عن أسرته, لابد من إبراز الدور الذي يلعبه وجود الأب داخل الأسرة نفسها.
ففي مختلف المجتمعات- مهما تباينت درجة تقدمها- يحتل الأب مكانة خاصة إذْ إنه يلعب دورًا رئيسيًا في تماسك الأسرة واستمرارها، وليس من باب العبث أن يُطلق على الأب في مجتمعنا عبارة (رب الأسرة), أو أن يشبه بـ(عمود الخيمة), الذي لا يمكن للخيمة أن تأخذ شكلها أو أن تستقيم دونه.
وظيفة الأب الرئيسة
ولعل الوظيفة الرئيسة للأب- بالإضافة إلى توفيره للحاجات المادية للأسرة- أنه يتيح للأبناء الاقتداءَ به؛ الأمر الذي يعتبر حيويًّا بالنسبة لتكوين شخصيتهم ولتوازنهم النفسي, لاسيما في المرحلة الأولى من طفولتهم، فالطفل يُكوِّن صورته عن ذاته من خلال تعامل أسرته معه, لاسيما تعامل الأب الذي يشكل بالنسبة إلى الطفل نموذجًا يحاول دائمًا التباهي به والاقتداء بما يصدر عنه من أفعال.
وتقليد الطفل لوالده, في حركاته وأقواله وأفعاله, ظاهرة تعرفها مختلف الأسر؛ الأمر الذي يعكس حاجة الطفل إلى الأب كنموذج لسلوك يحاول أن يتمثله ويتعود على القيام به، ومن هذه الناحية, فإن ما يلاحظه الطفل من سلوك والديه, لاسيما سلوك الأب, يلعب دورًا مهمًا في تكوين شخصيته وفي توازنه النفسي, أكثر من الدور الذي يمكن أن تلعبه النصائح والإرشادات التي يسمعها الطفل من والديه, أو من معلميه أو من أي مصدر آخر، ولا يمكن لأي شخص آخر, سواء كان الأم أو الأخ الأكبر أو أحد الأقارب, أن يقوم بالوظيفة نفسها التي يقوم بها الأب, فحتى الأم, مهما بلغت من قوة الشخصية ومن القوة الاقتصادية, لا يمكنها أن تكون أمًا وأبًا في آنٍ معًا.
بالإضافة إلى ذلك, يعتبر الأب بالنسبة للطفل هو (المشرِّع) إن صحَّ التعبير, فهو الذي يضع الحدود بين ما يجب أن يقوم به الطفل, وما يجب ألا يقوم به، ومن خلال تدخل الأب في سلوك الطفل يدرك الطفل معنى القانون والواجب, وبالتالي يعدُّ للتكيف مع الحياة داخل المجتمع, على اعتبار أنَّ ذلك يشترط التزام الفرد بسلسلة من القواعد والأعراف التي دونها يتحول سلوك الفرد إلى انحراف يدينه المجتمع ويعاقب عليه.
تأثير غياب الأب على الطفل
إنَّ الأب, يعتبر بالنسبة للطفل مصدرًا للأمن والحماية، ومما لاشك فيه أن غيابه المادي أو المعنوي يحدث اضطرابًا في حياة الطفل، ويتجلى ذلك في مشاعر الخوف والقلق التي تنتاب الطفل بين الحين والآخر, لاسيما أثناء النوم, أو على شكل أعراض (نفسية- جسدية) (قضم الأظفار, تبول لا إرادي, عدم التركيز, كثرة النسيان, الميل للعزلة...إلخ), أو على شكل تغير مفاجئ في السلوك لم يكن معروفًا قبل غياب الأب، وكثيرًا ما تكون هذه الأعراض النفسية والسلوكية بمنزلة خطاب لا شعوري موجه للأب إذا كان لا يزال على قيد الحياة, أو موجه للآخرين للاهتمام بما يُعانيه الطفل نتيجة غياب الأب، فالابن عندما يكبر, قد يصعب عليه أن يقوم بدور الأب أحسن قيام, إذا حُرِمَ في طفولته من الأب.
وفي حال الطلاق أو الهجر غالبًا ما تحاول الأم إلقاء اللوم على الأب على مرأى ومسمع من الطفل, بل قد تُحاول تشويه صورة الأب في نظر الطفل بأن تصفه بصفات سلبية, وأحيانًا تكيل له الشتائم وتحمِّله مسئولية ما تُعانيه, خاصةً أن الزوجة المطلقة تميل إلى الشكوى؛ تنفيسًا عن حال الإحباط التي تعيشها، وتنسى الزوجة في هذه الحال أن مَن تشوّه صورته في نظر الطفل كان زوجها, وأنها قبلت به واختارته لما كانت تعتبرها صفات إيجابية يتميز بها عن غيره، كما تنسى أن الصورة المشوَّهة التي تُقدمها عن الأب تتعارض مع الصورة التي كانت تُقدمها عن الأب قبل الطلاق.
وتذهب بعض الأمهات إلى أبعد من تشويه صورة الأب المطلّق, وتحاول تحريض الابن ضد والده مستخدمةً وسائل لا أخلاقية رغبةً منها في الانتقام من الأب.. إنَّ سلوكًا من هذا النوع من جانب الأم يُسيء بالدرجة الأولى إلى الابن الذي سيكون أبًا في المستقبل, وكذلك إلى البنت التي ستكون أمًا في المستقبل وترتبط بعلاقة زواج مع رجل.
والأم غير الواعية- التي تعيش هذه الوضعية- ترتكب خطأً فادحًا في حق أبنائها عندما تُحاول تشويه صورة والدهم لديهم, كيفما كان سلوك الأب، فصورة الأب يجب أن تظل في مخيلة الابن مقرونة بكل ما هو إيجابي؛ بل أكثر من ذلك لا يقبل من الابن أن يحاول الإساءة إلى والده لإرضاء الأم, وأحيانًا كمحاولة يلجأ إليها الابن طمعًا في أن تستجيب الأم لجميع مطالبه.
وعلى الأم المطلقة, ليس فقط ألا تشوّه صورة زوجها السابق في نظر أبنائه, وإنما أن تشجع هؤلاء الأبناء على أن يظلوا على صلة بوالدهم، وتُخطئ الأم في هذه الحال عندما تعتقد أن بإمكانها أن تلعب دور الأب والأم معًا, وتتوهَّم أن إغداقها على طفلها واستجابتها لجميع ما يطلبه سيكون تعويضًا له عن الأب, فالطفل ليس جهازًا هضميًّا؛ بل إنَّ حاجته إلى الأب, بما يرمز إليه الأب من مشاعر الأمن والعطف والحماية تفوق حاجته إلى الطعام واللباس.
لسنوات عدة مضت كان أكثر التركيز على علاقة الأم بأطفالها، وأهمية وجودها في حياتهم للاهتمام بهم ورعايتهم، ويعود هذا للتعود على أن الأم هي المسئول الرئيسي عن رعاية الأطفال منذ ولادتهم، وحاجتهم للالتصاق بها للإحساس بالحنان والحب والرعاية.
وتكمن أهمية وجود الأب في حياة الأبناء في عمله على إرشادهم وتقويمهم إذا انحرف أحدهم، واستخدام الشدة والحزم إلى جانب الرفق والتسامح. فإحساس الأبناء بوجود رادع لهم إذا أخطئوا يجعلهم على حذر من الوقوع بالخطأ.
كما أن اقتراب الأب من أبناءه وتمضية الوقت الكافي معهم ومحاولة تفهم مشاكلهم وطلباتهم والنقاش معهم يعطيهم الثقة في النفس، وبأن لديهم الصدر الحنون الذي يلجئون له عندما يصعب عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم، فيبعد بهذا عنهم شبح الضياع وحل الأمور الصعبة بالطريقة الخاطئة والتي تؤدي بهم إلى طريق السوء.
نعم الأبناء بحاجة للأم ولكن في سن معين يحتاج الأبناء إلى الأب. وقد أجريت دراسة على 17،000 طفل في جامعة أكسفورد بإنجلترا عام 2002 للميلاد ووجد أن:
• البنات اللاتي نشئن بين أم وأب كن أقل عرضة للأمراض النفسية في حياتهن المستقبلية.
• الأولاد اللذين كانت علاقتهم جيدة مع آبائهم كانوا بعيدين عن عن مشاكل العنف والإجرام.
• الأولاد الذين كانوا قريبين من آبائهم لم يكن لديهم مشاكل عاطفية أو نفسية، أيضاً حياتهم المستقبلية في الدراسة وغيرها كانت أكثر استقراراً.
• تدخل الأب في تربية الأطفال منذ طفولتهم جعل التواصل معهم سهلاً في جميع مراحل العمر التالية.
وتبين هذه النتائج أن العلاقة السليمة والتربية الصحيحة بين الآباء والأبناء لا تتوقف فقط على تواجد الأب بل على مدى تواصل الأب مع أبنائه.
وهنا نقول أن على عاتق الأب والأم معاً إحداث التوازن النفسي للأبناء وإكسابهم العادات والسلوكيات السليمة، والضبط والربط وتقويم السلوك الخاطئ، وأن يكونا متفاهمين في طريقة وأسلوب تربية الأطفال منذ البداية وأن يتعاونا معاً في تنشئة أبنائهما التنشئة الصحيحة حتى يشبوا بعيدين عن الأمراض النفسية والمشاكل المعقدة ويكون لديهم الثقة بالنفس والتخطيط الصحيح لمستقبل أفضل فالأسرة الطبيعية هي التي تتكون من الأب والأم والأبناء، وكل منهم له دور محدد يكمل دور الآخر لخلق أسرة سوية تسهم في بناء مجتمع ناجح .
في الشريعة الإسلامية..
الأسرة والزواج ليسا مؤسسة بالمعنى الذي يمكن أن تنتفي الحاجة إليها، وإن كانا يحملان إمكانات التطور الذي تتسع له الأطر التشريعية التي تحكم هذه العلاقة.
إن الأسرة هي ثمرة الزواج الشرعي.. وإذا لاحظنا الإطار التشريعي الذي يحكم العلاقة داخل الأسرة وبين الزوجين، أدركنا انه لا يوجد في التطور
الإسلامي أي إمكانية لتجاوز مبدأين أساسيين:
أ_ المبدأ الأول: أن الأسرة قاعدة ثابتة وهي النواة الوحيدة للاجتماع البشري.
ب_ والمبدأ الثاني: أن الأسرة ثمرة العلاقة الزوجية الشرعية حصراً، ولا أسرة خارج العلاقة الشرعية بين الزوجين.
والإسلام حصَّن مبدأ بقاء الأسرة واستمرارها قاعدة للاجتماع البشري، بمبادئ وأحكام ثابتة
غير قابلة للتبدل والتغيُّر. نذكر منها على سبيل المثال:
1- قوامة الرجل داخل الأسرة وتحميله مسؤولية النفقة على الأسرة زوجةً وأولاداً.
2- طبيعة نظام الإرث الذي يقوم على أحكام ثابتة، ومنها قاعدة أن للذكر مثل حظ الأنثيين.
ذكرنا هذين المثالين لنوضح كيف جاء التشريع الإسلامي في جوانبه الحقوقية ليحافظ على استمرار صيغة الأسرة.
فقوامة الرجل ومسؤليته عن النفقة داخل الأسرة حكم لا يتغير بتغيُّر الأوضاع المالية للرجل والمرأة أي للزوجين، فلو كانت الزوجة غنية والزوج فقيراً لا يسقط وجوب النفقة على الزوج. وفي المجتمع الذي تغدو فيه المرأة منتجة ومستغنية عن نفقة الرجل. فإن هذا التطور لا ينتج تطوراً في مبدأ القوامة الإسلامي، لأن الحكمة من مبدأ القوامة، هو تجنب صيغة الأسرة من التحول والانحلال.
وكذلك قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين. فأن بعض الباحثين ظنَّ أن هذه القاعدة ليست مطلقة، وأنها مرتبطة بنسق اقتصادي معين كانت فيه المرأة عالة على الرجل، فيما الرجل هو العنصر المنتج، فاقتضى أن يكون له من الإرث ضعف ما للمرأة.. أما في حال تساوت المرأة والرجل في إنتاج الثروة، فإنه ـ بناء على هذه الافتراض ـ يجب أن يتغير هذا الحكم. وتغدو الحصص الإرثية متساوية بين الذكر والأنثى.
والجواب عليه: أن الشريعة لم تربط مبدأ التفاوت في الحصة الإرثية بين الذكر والأنثى بظرف تاريخي معين، ولم تورد الشريعة في هذا المبدأ أي استثناءات. وقد جاء النص القرآني في تفاوت الحصص الإرثية بين الذكر والأنثى حاسماً ومطلقاً وغير قابل للتأويل، الأمر الذي يجعلنا نستنتج أن الهدف من الثبات في هذه القاعدة ـ رغم ما يطرأ على المجتمعات البشرية من تطورات ـ مصدره الثبات في صيغة الأسرة كما ينظر إليها الإسلام. وحماية هذه الصيغة من التقلبات والمتغيرات الاقتصادية، وذلك كما يحصل في الغرب اليوم الذي لم يكن لديه شريعة دينية ثابتة في مجال تنظيم الأسرة، فأخضع الأسرة لمفهوم المؤسسة، وجعل يشرِّع لها تحت تأثير المتغيرات، إلى أن وصلت إلى أزمتها الراهنة التي يطرح في شأنها أن الأسرة مؤسسة أدت دورها ويجب أن تنتهي.
نخلص من عرض هذا العنوان.. عنوان (الأسرة قاعدة ثابتة في التصور الإسلامي وليست مؤسسة)، إلى أن الدعوة إلى علمنة الأحكام المتعلقة بالزواج والأسرة في مجتمعاتنا الإسلامية والمسيحية أيضاً، يجب أن يعيد أصحابها والمتحمسون لها النظر فيما يذهبون إليه. ويجب أن ينتبهوا إلى أن فضيلة استمرار الأسرة وتماسكها في المجتمعات الشرقية إزاء الأنهيار المخيف للأسرة الغربية، إنما يعود الشأن فيها إلى التزام مجتمعاتنا بالقواعد الدينية أساساً لصيغة الزواج والأسرة والحفاظ على هذا القواعد.
2-نأتي الآن إلى العنوان الثاني الذي نرغب طرحه في هذه المداخلة وهو: (واقع الأسرة الإسلامية وعلاقة الزوجين فيها، هل هو انعكاس صادق وبصورة دائمة لمفهوم الإسلام للأسرة والعلاقة الزوجية...؟
أن أرقى وأسمى للعلاقة الزوجية هو المفهوم الذي يعبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك آيات لقوم يتفكرون).
فالعلاقة الزوجية في التصور الإسلامي، وأن كانت ثمرة عقد بين الطرفين، وهي تخضع لموجبات هذا العقد في الحقوق والواجبات المترتبة على كل منهما ـ إلا أنها تهدف إلى غايات تتجاوز حدود هذا العقد وموجباته.. فعدا كون الآية الكريمة المتقدمة تحسم موضوع الطبيعة المشتركة للزوجين فهما من نفس واحدة. وأن أحدهما اشتق من الآخر فليس لأحدهما في طبيعة الخلق تميز عن الآخر.. أقول عدا عن وضوح هذه الحقيقة التي كانت محلَّ جدل في الفكر البشري، فإن الإسلام يشتق من هذه الطبيعة الواحدة للزوجين غاية سامية للعلاقة الزوجية، وذلك بأن تغدو هذه العلاقة إطاراً حيوياً يمارس فيه الطرفان السعي الدائم للاندماج والتماهي والتغلب على الاختلافات النفسية والجسدية والتربوية وصولاً إلى تحقيق هذه الزوجية الرحيمة، أي العودة إلى الأصل. إذ هما أصلاً ـ في التصور القرآني ـ من نفس واحدة.
أن هذا التصور الإسلامي للعلاقة الزوجية بحد ذاتها، وبوصفها أساساً لتكوين الأسرة الصالحة، لم يكن يعمل وحده بمعزل عن القواعد الشرعية التي تحكم العلاقة بين الزوجين وفي الأسرة. ولكن ما يجب أن ننتبه إليه، هو أن الممارسة التاريخية في حقل العلاقة الزوجية والأسرة على مستوى المجتمعات الإسلامية ليست بالضرورة تنفيذاً أميناً للأحكام والمبادئ والغايات التي حددها الإسلام.
ففي حين نلاحظ أن قوة الإسلام، عقيدة وشريعة، كانت ذات تأثير فاعل في الحفاظ على مكونات الزواج والأسرة في المجتمعات الإسلامية، ففي وسعنا أن نلاحظ أيضاً أن هذه المجتمعات لم تكن بمعزل عن التأثير بمفاهيم وتقاليد وقيم وعادات غريبة عن الإسلام، أو مفارقة لكثير من مبادئه، وكان لهذا التأثير دوره، حتى في قراءة النصوص الإسلامية وتأويلها.. وتتجلى هذه التأثيرات ـ أكثر ما تتجلى ـ في تضخيم حقوق الرجل والانتقاص من حقوق المرأة الزوجة ـ وفي توسيع دائرة المباح لدى الزوج واستثمارها حتى حدود التعسف... وقبل أن نورد بعض الأمثلة على ذلك، نرى أن نقرر أن قيم مجتمع الذكورة وتغلغلها في أنماط السلوك الاجتماعي الإسلامي ـ حسب رأينا ـ هي العامل المسؤول عن الانحراف الذي أشرنا إليه؛ فيما الإسلام عقيدة وشريعة يتنافى كلياً مع قيم الاجتماع الذكوري.. يقول الله تعالى:
(يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم... ). ا
لآية واضحة وحاسمة في المساواة بين الرجل والمرأة، وفي وحدة المعيار للتفاضل بينهما.
وهذه بعض الأمثلة نوردها باختصار تأييداً لما ذهبنا إليه:
1- قيمومة الرجل على المرأة في قوله تعالى: (الرجال قوَّامون على النساء...)
هي في اغلب أنماط السلوك الاجتماعي الإسلامي تتعرض
للتأويل الخاطئ من وجهين:
أ_ في إخراج الآية من إطارها المحدود، وهو العلاقة الزوجية وتعميمها على المجتمع كله، فيغدو الرجال في الشؤون الاجتماعية والسياسية وغيرها من الشؤون العامة، هم المقررون دون النساء؛ فيما الآية الكريمة ليست ناظرة إلا إلى دائرة واحدة هي دائرة العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة.
ب_ وفي التأويل الخاطئ لوظيفة القوامة من الزوج داخل الأسرة، وفي العلاقة الزوجية، حيث تغدو هذه القوامة شبه مطلقة في سلوك الرجال ونافية للكثير من حقوق الزوجة الشرعية؛ فيما القوامة الشرعية ليست امتيازاً للزوج، بل مسؤولية إدارية داخل الأسرة، مسندة للزوج بسبب كونه مسؤولاً عن الأنفاق، والزوجة معفاة من هذا الواجب.
ويحرص النص القرآني على تأكيد هذه الحقيقة في قول تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة). إنها إذاً حقوق وواجبات متبادلة بين الطرفين... أما الدرجة التي للرجال على النساء فهي درجة مترتبة على وظيفة القوامة التي اختص بها الزوج... وهي حق الطلاق الذي أعطته الشريعة للرجل مقابل مسؤلياته الإدارية، وانسجاماً معها دون أن تمنع هذا الحق عن المرأة بالمطلق بل منحتها هذا الحق في حالات حددتها النصوص الشرعية.
2- حق الرجل في تعدد الزوجات. ونتناول هنا في مظاهر التعسف والانحراف في استعماله وليس في النظر إلى حكمة تشريعه.
أن تعدد الزوجات ـ وفق الشريعة الإسلامية ـ هو في أحسن الحالات أمر مباح للرجل وليس واجباً. وهذا يعني أن الشريعة الإسلامية لحظت حالات خاصة يكون التعدد فيها حلاً لمشاكل العلاقة الزوجية، فأباحت التعدد ولكنها لم تمنع المجتمع الإسلامي عبر هيئاته المختصة بتطبيق النظام من التدخل للحد من استعمال الرخص والمباحات، إذا كان النظام العام يتطلب ذلك.
غياب النظام العام أو ضعفه، كان يدفع إلى استعمال حق تعدد الزوجات بدون ضوابط، وأحياناً بدون أسباب تلجأ إليها الضرورات والحاجات، وربما ما تزال هذه الظاهرة رغم انحسارها نسبياً ـ قائمة بصور متفاوتة في المجتمعات الإسلامية.
أن المرأة المسلمة متضررة من غياب التشريعات التي تحدد مجال تعدد الزوجات للرجل، كما هي متضررة من غياب التشريعات التي تعيد النظر في الحقوق المالية للمرأة داخل الأسرة الزوجية، وهو موضوع المثال الثالث والأخير في هذه المداخلة.
3- أن حقوق المرأة المالية محصورة ـ وفق الأنظمة المعمول بها عامة ـ بحق النفقة والمهر.. وفي حالة الطلاق، فإن المهر نادراً ما يشكل ضمانة مالية للمرأة، لم تجتهد حتى الآن في استنباط أحكام تلزم الرجل بحقوق مالية للزوجة المطلقة، مع توفّر الأسس الشرعية الإسلامية لهذا الإلزام، والذي يمكن بحثه في مجال آخر أوسع من هذه المداخلة.
ننتهي من هذه الملاحظات إلى التأكيد على أن الإسلام والأديان السماوية عموماً لعبت وتلعب دوراً مركزياً في الحفاظ على بقاء الأسرة وتعزيز مكوناتها، ولكن ذلك لا يكفي لتطوير الأسرة وتحصينها،
بل لا بدّ من قيام مؤسسات في الدولة والمجتمع للقيام بهذه المهمة.
بحث عن الأسرة فى الإسلام
2 التعليقات
ماشاء الله الموضوع مفيد جدا ارجو من الاخرين المعرفة والنشر وشكرا
جزاك الله خير
بحث جامع وافي شافي ، جزاكم الله خيرا
ليتنا جميعا نهتم بالأسرة الصغيرة أولا (الأب ، الأم ، الابناء) لماذا لايقوم رب كل أسرة بإنشاء جروب لأسرته الصغيرة هذه على مواقع التواصل الاجتماعي ،
لنستخدم وسائل التواصل الالكترونية - التي أصبحت سمة العصر - في ترابط الدائرة الأولى في المجتمع
لنتعلم فقه الأولويات ، ليهتم كل فرد من افراد الاسرة بدائرته الأولى قبل الاصدقاء وزملاء العمل
تفضل بإبداء رأيك وإضافة تعليق ويرجى إتباع الإرشادات التالية
لكي يتم إرسال التعليق بشكل صحيح يرجى تحديد ملف التعريف وذلك بالضغط على السهم
الموجود أمام كلمة (التعليق بإسم) وإختيار أحد الخيارات الموجودة وإذا لم تكن تمتك أحدهم
فيمكنك التعليق بإختيار أحد الخيارين الأخيرين (الإسم وعنوان url) أو (مجهول)
وتذكر
ما مـن كاتب إلا سيفـنى ** ويبقي الدهر ما كتبت يداهُ
فلا تكتب بكفك غير شئ ** يسرّك في القيامة أن تراه