بحث يتناول بإيجاز سيرة المفكر الراحل الدكتور مصطفى محمود
مقدمــــــة
د."مصطفى محمود" واحد من أبرز مفكري العصر الذين شغلوا الساحة الفكرية والثقافية على مدار نصف قرن، بكتاباته الجريئة التي تحرك مياه الواقع الراكدة.
ارتبط اسم الدكتور "مصطفى محمود" في أذهان العامــة بأعماله الخيرية، والمستشفـــى الشهير الذي يحتل موقعا متميزا في أحد أرقى الأحياء بالجيزة وهو حي المهندسين الغني عن التعريف. فقد قام الدكتور "مصطفى محمود" بإنشـاء مسجــد في القاهـــرة باسمه هو "مسجد مصطفى محمود" عام 1979، ويتبع له "جمعية مسجـــد محمود" والتي تضــــم "مستشفى محمود" و"مركز محمود للعيون"، ومراكز طبية أخرى تقدم خدماتها لقطــاع عريض من الناس.
ولا يكاد يوجد في مصر أو الدول العربية أحدٌ إلا أشاد بمجهوداته الخيرية وسعيـــــــــــه المتواصل لخدمة الفقراء والمعوزين ومتوسطي الحــال. وارتبــط اسمــه كذلك بالبرنامج الظاهرة (العلم والإيمان) الذي امتد حضوره ووهجــــه وانتشاره لسنوات طــويلــة خلال الثمانينات.
بحر متلاطم .. ورياح هوجاء !!
عندما اعتنق الماركسية وآمن بالمادية، وشك في الأديان، وأعلن عن ذلك في كتابـــه ( الله والإنسان)، قامت الدنيا ولم تقعد، وكان نتيجةً لذلك أن صدر قرار بمصادرة الكتاب ومنــع تداوله في الأسواق سنة 1951، وتقديمه للمحاكمة!!
ودخل في مجادلات حادة وعنيفة عكست مــــدى قدرته الرهيبــــة على مناقشة كل فكـــرة ومجادلة كل رأي وعدم التسليـــم بالأشياء كما هي وكما تبــدو عليه، واستمـــر على حالته هذه تتجاذبه الأنواء وتتقاذفه العواصف والرياح، إلى أن استقــــــر أخيراً ورســـت سفينته الحائرة على شاطئ الإيمان، وسجل نهاية هذه الرحلة المنهكـة في كتابه (رحلتي من الشك إلى الإيمان) .
وتتابعت كتاباته ومقالاته العديدة تترى وتتوالـى بغزارة وتدفــق غير عاديين في الصحف والمجلات والدوريات المختلفة، فكان يكتب وينشر في مجــــلات (الرسالة) التي نشر فيها أول قصة له، و(النداء) و(التحرير) و(صبــاح الخير) و(روزاليوســف) و(الشبــاب) وفي (الأهرام) و(الأخبار)،... وغيرها.
ولم تنته معاركه ومجادلاته عند حــــد مسألة شكــه ووصوله إلى الإيمان بل تجاوزتها إلى إثارته للعديد من المناقشات والمعارك حول بعض اجتهـــاداته الدينية، ويكفي أن نشير فقط إلى معركتي كتاب (محاولة لفهم عصري للقرآن)، وكتــــاب (الشفاعة) اللذين دار حولهما الكثير من الجدل الساخن والنقاش الحاد اللذين وصلا لأبعــد مدى باتهام البعض له بمروقه عن الدين، وخروجه من الملة!!
البدايات:
هو المفكر والكاتب والأديب والفيلسوف والعالم والطبيب المصري الشهير الدكتـــــــــــور "مصطفى كمال محمود حسين" الشهير بـ" د.مصطفى محمود" الذي ولد في 25 ديسمبــر سنة 1921م، في شبين الكوم بمحافظة المنوفية، التي نزح منها منتقلا إلى طنطا عاصمــة محافظة الغربية، والتحق بالمدرسة الأولية بها، وفيها تعلم القراءة والكتابة وحفظ ســـــوراً من القرآن الكريم، وكان لميلاده ونشأته في مدينة طنطا محط رحال مريدي "السيـــــــــــد البدوي" ومحبيه الأثر الأكبر في عشقه وتشبعه بالأجواء الروحانية والأطياف الصوفيــــة التى ستتجلى فيما بعد بوضوح في كتبه وأبحاثه ومقالاته.
يقول مصطفى محمود عن تلك الفترة وتأثيرها عليه:
( ... الحياة في طنطا في جوار السيـــــد البدوي، وحضــــور حلقات الذكر والمولد والناي ومذاق القراقيش وابتهالات المتصوفة والدراويش.. كان لها أثر في تكويني الفني والنفسي)
و في أثناء دراسته بالمدرسة الابتدائية بطنطا مال إلى العلوم الطبيعية والكيمياء والفــــلك، وعندما انتقل إلى المدرسة الثانوية زاد حبه لهذه المواد وشغفه بها، حتى إنه أعد في بيتــــه ما يشبه المعمل الصغير كان يمارس فيه تجاربه العلمية الصغيرة.
التحــــق بكلية الطب عام 1946، وتخــــرج فيها عــــــام 1952، وأمضى فترة الامتياز، وتخصص في أمراض الصدر، وظل يمارس مهنته الطبيــــة حتى عام 1960، وهو العام الذي تفرغ فيه للبحث والكتابة بشكل كامل.
تزوج مصطفى محمود عام 1961، وانتهى هذا الزواج عام 1973، وأسفر عن ولديــــــه "أدهم" و"أمل". ثم تزوج مرة ثانية عام 1983، ولكنه لم يستمر أيضا كسابقه وانتهـــــــى بالطلاق عام 1987.
العلم والإيمان:
يعد من الأسباب الأساسية لانتشار وشهرة الدكتور "مصطفى محمود" في مصر والعالمين العربي والإسلامي برنامجه الناجح الذي ذاع صيته وانتشر في الآفاق انتشـــــــار النار في الهشيم، والذي كان ينتظره الملايين في كل أنحاء العالمين العربي والإسلامي، وينتظـــــره الناس بشغف ولهفة كل أسبوع، يستوي في ذلك الشغف وتلك اللهفة الرجلُ والمرأةُ والطفلُ والشيخُ الكبير... الكل كان ينتظر الحلقة الأسبوعية من برنامجه الرائع "العلم والإيمــــان" الذي كان يُسجل ويُذاع كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع على القناة الأولى بعد نشرة التاسعــة، في فترة الثمانينات من القرن المنقضي.
قدم الدكتور مصطفى محمود 400 حلقة كاملة من هذا البرنامج الذي أعيدت إذاعة معظــم حلقاته بعد ذلك على العديد من القنوات الأرضية والفضائية، ومازال إلى الآن يحظــــــــى بنسبة مشاهدة كبيرة يندر أن تتحقق لغيره من البرامج.
جهد ثقافي عملاق
أثرى الدكتور "مصطفى محمود" المكتبة العربية بأكثرمن ثمانين كتاباً تتنوع ما بين الكتب العلمية والدراسات الفلسفيــة والإبداعات الأدبية والمقالات السيــــاسيــــة والاجـتمــــاعية، والنظرات الدينية والفكرية والرحلات والتصوف.
فهو من القلائل الذين حاولوا في كتاباتهم العلمية أن ينحوا نحو التبسيط في عرض أعقـــــد النظريات والمسائل العلمية عن طريق الشرح المبســــط وضـــرب الأمـــثلة الشارحــــــة الموضحة، يتضح هذا في كتبه العلمية العديدة، مثل :(أينشتين والنسبية( .
وتمثل إسهامه الأدبي في إبداعاته العديدة ما بين روايـــــة، وقصة قصيرة، وأدب رحلات، ويعد الدكتور" مصطفى محمود" من الكتـــاب البــارزين للقصة القصيرة من جيل الوسط، وقد كتب العديد من المجموعات القصصية المتميــــــــــزة مثل: (عنبر7)، و(شلة الأنس)، و(رائحة الدم)، و(أكل عيش)، وغيرها.
كذلك يعد "مصطفى محمود" من أهم كتاب الرواية وبالأخص رواية (الخيال العلمي) التي ساهم بالكتابة فيها بأعمال مميزة، - نذكر منها رواياته الشهيرة (رجل تحت الصفــــــــر)، (المستحيل)، (الأفيون) - ، تعد علامات في رواية الخيال العلمي المكتوبة باللغــــة العربية شأنه في ذلك شأن أعظم كتاب رواية الخيال العلمي في مصر، مثل "نهاد شريـــــــــــف"، و"صبري موسى"، و"رءوف وصفي".
ومن الجوانب المهمة التي يجدر التنويه بها أن الدكتور" مصطفى محمود" من أوائــل من اتخذوا في كتابتهم للرواية منحى تجريبياً بارتياده طريق تيار الوعي (وهو الــــذي لا يتخذ في كتابة الرواية، مع "محمد عوض عبد العال"، و"عبد الفتاح رزق"، و"مجــــيد طوبيا" وغيرهم ممن سلكوا هذا الطريق من جيل الستينات ومن تلاهم.
أما عن أدب الرحلات فيكفي أن نشير إلى أنه من المعدودين من كتاب أدب الرحـــلات في مصر والعالم العربي، ووضع اسمه ضمن البارزين في هذا الفن، مع "محمود تيمـــــور"، و"حسين فوزي" و"أنيس منصور"، و"عبدالله الطوخي"، و"عبد الفتاح رزق"، و"خيري شلبي"، وغيرهم. وقد نال جائزة الدولة التشجيعية في أدب الرحلات عام 1975، عـــــــن كتابه
(مغامرة في الصحراء ) .
وعن كتاباته في الفكر الإسلامــي وآرائه الجــريئة في بعض القضايــا الشائكة والحساســة فحدث ولا حرج! فهو صاحب الكتب والبحوث التي أثارت من المعارك وردود الافعال مـا ظل يشغل الساحة الفكرية والدينية لفترات طويلـــة، فقـــد اشتبـك – فكرياً – مـع العديد من أعلام الفكر والدين في موضوعات مازالت إلى الآن محل خلاف.
أشهر مؤلفاته
- أينشتين و النسبية
- مسرحية جهنم الصغرى
-مغامرة فى الصحراء
- لغز الموت
- من أمريكا إلى الشاطئ الآخر
-مقالات مختارة لمصطفى محمود
-مقتطفات من أناشيد الإثم و البراءة
-مقتطفات من كتاب الروح والجسد
-الخروج من التابوت
-الشيطان يحكم
-السر الأعظم
-العنكبوت
-الإسلام ماهو
-الإسلام السياسي والمعركة القادمة
-القرآن محاولة لفهم عصري
-القرآن كائن حي
-حوار مع صديقى الملحد
-رأيت الله
-رحلتي من الشك إلى الإيمان
-سواح في دنيا الله
-عصر القرود
معاركه الفكرية
لعل من أشهر هذه المعارك معركته مع الدكتورة "عائشة عبد الرحمن" (بنت الشاطئ) حول كتاب (القرآن محاولة لفهم عصري)، فقد كانت من أعنف المعارك الفكرية حـــول الإعجاز العلمي للقرآن، ودارت هذه المعركة الفكرية في أوائل السبعينات على صفحات جريدة الأهرام وتحديداً أهرام الجمعة، وعلى مـــــــدار شهرين كاملين (مارس وإبريل)، وكانت الدكتورة "عائشة عبد الرحمن" ترد على مقــالات مصطفــى محمــود التــي كان ينشرها آنذاك على صفحات مجلة (صباح الخير ).
ومعركة أخرى دارت أحداثها منذ عدة سنوات عندما أصدر كتابه (الشفاعة) وثــــــارت حينها زوابع وعواصف من قبل رجال الدين والفقهاء الذين أنكروا عليه ما ذهب إليـه من آراء وأفكار، وكُتِبَ في الرد عليه العديدُ من الكتب والمقالات في الصحف والمجـــــلات اليومية والأسبوعية.
وكان لمصطفى محمود دور بارز في الكشف عن حقيقة الأفكار والمعتقدات البهائيـة في كتابه – الذي يعد من أوائل الكتب التي تناولت هذا الموضوع – (حقيقة البهائية).
وتميز أسلوب "مصطفى محمود" بالبساطة والسلاسة المتناهية، التي تشد القارئ وتجعله منجذبا لموضوعه الذي يقرأه، هذا بالإضافة إلى قدرته الخارقة على تطويع اللغة تطويعاً عجيباً بحيث تكون في النهاية سلسة مطواعة يشكلها ويشكل بها ما أراد وما يريد.
توفى الدكتـــور مصطفــى محمود فى الساعــة السابعــة والنصف من صباح السبت 31 أكتوبر 2009 الموافق 12 ذو القعدة 1430 هـ، بعد رحلـــــة علاج استمرت عدة شهور عن عمر ناهز 88 عاما، مخلفاً وراءه ميراثاً علمياً وفكرياً هائلاً ينهل منه كل من أراد.
المراجع : ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
بحث عن مصطفى محمود
0 التعليقات
تفضل بإبداء رأيك وإضافة تعليق ويرجى إتباع الإرشادات التالية
لكي يتم إرسال التعليق بشكل صحيح يرجى تحديد ملف التعريف وذلك بالضغط على السهم
الموجود أمام كلمة (التعليق بإسم) وإختيار أحد الخيارات الموجودة وإذا لم تكن تمتك أحدهم
فيمكنك التعليق بإختيار أحد الخيارين الأخيرين (الإسم وعنوان url) أو (مجهول)
وتذكر
ما مـن كاتب إلا سيفـنى ** ويبقي الدهر ما كتبت يداهُ
فلا تكتب بكفك غير شئ ** يسرّك في القيامة أن تراه